2018 © - العرب برس.جميع الحقوق محفوظة.
ما الذي يمنعنا من السفر على متن طائرات بدون طيار؟
ربما سيمثل تشغيل طائرات ركاب تحلق دون طيار، التحول الأكبر المقبل في عالم الطيران. وقد شهدت نسخة هذا العام من معرض باريس للطيران، إعلان شركتيْ إيرباص وبوينغ أنهما ستسعيان لإقناع الجهات المُنظمة لحركة السفر الجوي في العالم بهذه الفكرة.
على أي حال، ليس هناك توقيت أفضل من الآن لتبني توجه مثل هذا. فبينما يزيد الطلب على السفر الجوي بشدة، ما يعني أن شركات الطيران ربما ستكون في حاجة لأكثر من 800 ألف طيار جديد على مدار السنوات العشرين المقبلة؛ توجد عقبات كثيرة تحول دون تجهيز هذا العدد الكبير من الطيارين، مما يخلق ما وصفته شركة بوينغ من قبل بـ”أحد أكبر التحديات” التي تواجه صناعة الطيران.
لكن على الرغم من أن تقنية تسيير طائرات ركاب دون طيار، توفر حلا لهذه المشكلة، فإنها لا تخلو من تحديات مرتبطة بها هي نفسها، مما قد يحول في نهاية المطاف دون خروجها إلى النور. في السطور المقبلة نستعرض ثلاثة من هذه التحديات.
التدخلات السياسية والنقابية
يوجد للابتكارات الجديدة – حتما – رابحون وخاسرون. فعندما اخْتُرِعَت السيارة؛ انصرف الركاب عن القطارات؛ تماما كما حدث عندما أدى ظهور السكك الحديدية قبل عقود من ذلك، إلى ركود في حركة النقل البحري والنهري، بعدما كان يشكل وسيلة التنقل الرئيسية.
ونتيجة ذلك كله توافرت وظائف للبعض وحُرِمَ البعض الآخر منها، وهو ما يلخصه الكاتب الأمريكي نيكولاس كار في كتابه “القفص الزجاجي: نحن والتشغيل الآلي” بالقول: “لا يوجد قانون اقتصادي يقول إن كل الأشخاص أو حتى غالبية الأشخاص، يستفيدون من التقدم التكنولوجي”.
ومن بين الأمثلة الرئيسية على ذلك؛ طائرات الركاب التي تسير دون طيار. فبينما تبشر هذه التقنية بإحداث تحول ثوري في عالم السفر، فإن لها ثمنا يتمثل في فقدان فرص عمل كان يُفترض أن تتوافر للطيارين، الذين توظف صناعة الطيران عشرات الآلاف منهم في مختلف أنحاء العالم، لنقل مليارات المسافرين عبر تريليونات الكيلومترات.
ومن شأن نقل مهام هؤلاء المهنيين المهرة إلى الآلات؛ إحداث بطالة واسعة النطاق في صفوفهم، تزيد من وطأتها صعوبة أن يوظفوا مهاراتهم وقدراتهم في أي مجال مهني آخر، بالنظر إلى الطبيعة الفريدة والمتخصصة بشدة للمهارات التي يتطلبها عملهم في الطيران.
هنا يأتي دور العوامل السياسية والنقابية. فالطيارون يحظون بدعم النقابات العمالية ذات النفوذ الواسع، وهي تلك المنظمات التي تستخدم أساليب المساومات الجماعية والضغط السياسي وتنظيم حملات الضغط، للتعامل مع القضايا التي تؤثر على أعضائها.
ما هي الاختلافات بين أدمغة الرجال والنساء؟
ومن بين هذه النقابات؛ رابطة طياري الخطوط الجوية التي تمثل أكثر من 63 ألف طيار على مستوى العالم. ومن بين الأمثلة التي تؤكد النفوذ الكبير الذي تتمتع به هذه الرابطة، الدور الذي لعبته في الحيلولة دون تخفيض عدد أفراد طاقم قمرة القيادة في الطائرات.
إن التطورات التكنولوجية التي حدثت منذ ستينيات القرن الماضي، جعلت الحاجة تنتفي لوجود فرد ثالث في القمرة، يُعرف باسم مهندس الرحلة ويتولى مراقبة أجهزة الطائرة ومساعدة الطياريْن على اكتشاف المشكلات وإصلاحها. ومع أن شركات تصنيع الطائرات كانت قد بدأت بالفعل في تطوير طرز تعتمد على وجود فردين فقط في القمرة، فقد قاومت رابطة الطيارين الشروع في استخدام تلك الطرز، لأن ذلك سيؤدي حتما إلى تقلص عدد فرص العمل المتاحة لأعضائها.
وخاضت الرابطة صراعا طويلا لإجبار إدارات شركات الطيران، على منح “مهام ذات مغزى” لمهندسي الرحلات. ومن المرجح أن تتبع تلك الرابطة أساليب مماثلة، حال وصول تكنولوجيا رحلات الطيران دون طيار، إلى مرحلة النضج. وقد أعربت هذه الرابطة النقابية بالفعل عن معارضتها لإجراء أي خفض لعدد الطيارين، الذين يُستعان بهم في الرحلات الجوية.
وتحظى النقابات العمالية بحلفاء في حملتها ضد إسناد مهمة قيادة الطائرة إلى طيارين آليين، في ضوء أن هذه الخطوة لا تهدد وظائف العاملين في مجال الطيران بشكل مباشر وحدهم، بل يمتد خطرها إلى من يعملون في الأكاديميات التي تتولى تدريب الطيارين، والعاملين كذلك في الجامعات والكليات والمعاهد المُناط بها هذه المهمة أيضا. وتوظف كل هذه المؤسسات عشرات الآلاف من الأشخاص، سيصبحون جميعا مهددين في أرزاقهم، إذا ما بدأ تسيير رحلات طيران دون طيارين.
التأمين
لا شك في أن الطائرات غالية الثمن بشدة. فتكلفة طائرة الركاب الصغيرة – التي لا تضم سوى ممر واحد بين صفين من المقاعد وتنتمي لطراز “بوينغ 737” – تصل إلى 100 مليون دولار على الأقل للواحدة منها. أما نظيرتها الأكبر، التي تضم ممرين وتنتمي لطراز “بوينغ 777″، فيفوق سعرها 300 مليون دولار.
وبرغم أن شركات الطيران تحصل على خصومات على أوامر شراء الطلبيات الكبيرة، فإن ذلك لا يمنع من أن تظل الفاتورة النهائية التي تدفعها ضخمة بالفعل. ففي عام 2011، أنفقت شركات الطيران الأمريكية أكثر من 30 مليار دولار لتطوير وتحديث أساطيلها. ورغم أن حوادث تحطم الطائرات نادرة، فإنها لا تزال تحدث، وهو ما يؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة بميزانيات شركات الطيران.
هنا يأتي دور قطاع التأمين، فالشركات العاملة في صناعة الطيران تشتري شهادات تأمين لتغطية الخسائر التي قد تلحق بها، إذا تضررت إحدى طائراتها أو تحطمت. وتوفر هذه الشهادات الحماية المالية للشركات حال رُفِعَتْ ضدها دعاوى قضائية مرتبطة بحدوث خسائر في الأرواح أو الممتلكات، بسبب وقوع حوادث.
ومن المستحيل تقريبا أن يعلم المرء حجم الأموال التي تدفعها شركات الطيران للحصول على تغطية تأمينية لخسائرها، فشركات التأمين تُبقي على أسعار خدماتها في هذا الشأن سرية، حفاظا على مزاياها التنافسية. لكن من المؤكد أن أقساط التأمين تكلف صناعة الطيران مليارات الدولارات سنويا، وهو ما يجعل تكاليف هذا الأمر تحديدا، عاملا رئيسيا لتحديد مدى الربح أو الخسارة المحتملة لكل من الشركات العاملة في هذا المجال.
وهكذا فمن الأسئلة المهمة التي تواجه مسألة تسيير طائرات ركاب دون طيار، مدى ما سيلحقه ذلك من تأثير على أقساط التأمين التي ستدفعها هذه الشركة أو تلك. الاعتقاد السائد يشير إلى أنه يفترض أن تتراجع قيمة المدفوعات الخاصة بتلك الأقساط، باعتبار أن الطائرات دون طيار – التي ستعمل باستخدام مجموعة من أجهزة الاستشعار والبرمجيات المتطورة – ستخلو من “المجرم” المتورط في غالبية حوادث الطيران، وهو الإنسان.
ويعني ذلك أنه إذا كانت تلك الحوادث نادرة الآن، فإنها ستصبح أكثر ندرة في عصر طائرات الركاب دون طيار، وهو ما يُنتظر أن يؤدي بدوره إلى تقلص قيمة المدفوعات لشركات التأمين. لكن الواقع قد يكون أكثر تعقيدا.
فشركات الطيران تعتمد حاليا بالفعل على التكنولوجيا بقدر هائل للغاية، بخلاف ما كان يحدث في الماضي. فلتأخذ عندك مثلا الطائرات من طراز “بوينغ 787 دريملاينر”، التي تنتشر أساطيلها في مختلف أنحاء العالم. فهذه الطائرات شديدة التطور؛ تعمل بواسطة ملايين الأوامر المشفرة. وكلما زادت هذه الأوامر؛ تعززت الخصائص التي توفر الأمان للرحلات الجوية، من قبيل أنظمة التنبؤ المسبق بالمطبات الهوائية، وأجهزة الاستشعار الذكية التي تحافظ على استقرار الطائرة بشكل آلي، حال انخفاض الضغط بداخلها.
غير أن استخدام المزيد من الأوامر المشفرة بغرض تعزيز مستوى الأمان، سيجلب معه كذلك نوعا مختلفا من المخاطر. ويعني ذلك أنه بدلا من أن يكون لدينا عامل الخطأ البشري كسبب محتمل لأي حوادث، سيصبح هناك – في هذه الحالة – عاملا من نوع مختلف قد يقود بدوره لوقوع مثل هذه الحوادث.
وفي عام 2015، حذرت جهات حكومية تتولى تنظيم قطاع الطيران المدني، من إمكانية حدوث أعطال في النظام الكهربائي الخاص بطائرات “دريملاينر”، وذلك بسبب خلل في البرمجيات لم يكتشفه المهندسون سلفا، قد يؤدي لـ “فقدان السيطرة على الطائرة”.
وقد واجهت إيرباص مؤخرا مشكلات مماثلة مع طرازها الرئيسي في الوقت الراهن “إيه 350″، بعدما تبين أن الطائرات المنتمية لهذا الطراز، عرضة لمشكلات إلكترونية، قد تؤدي إلى أن تصبح في “وضع غير آمن”، وذلك بسبب عطب آخر في البرمجيات، فشل المهندسون في رصده وإصلاحه.
خطر آخر مرتبط بالبرمجيات، يتعلق بإمكانية تعرضها لعمليات اختراق وقرصنة. خاصة أن اختبار الأوامر المشفرة بحثا عن نقاط ضعف محتملة يزداد صعوبة، كلما زادت هذه الشفرات تعقيدا. ويفتح ذلك الباب أمام المتسللين والقراصنة الإلكترونيين لمحاولة استغلال الموقف.
وفي عام 2008، حذرت جهات تنظيمية حكومية في قطاع الطيران، من إمكانية نجاح ركاب الطائرات من طراز “دريملاينر” في اختراق نظام التحكم في الرحلة، عبر منظومة الترفيه الموجودة على متن الطائرة، وهو ما يجعل بوسعهم تجاهل أوامر الطيار وتجاوزها كذلك.
وبحسب وثيقة حكومية، يسمح تصميم هذه الطائرة بحدوث “أنواع جديدة من الاتصال بين الركاب وشبكات بيانات – كانت من قبل معزولة (عن التواصل) – وهي شبكات مرتبطة بأنظمة تؤدي وظائف يتطلبها التشغيل الآمن للطائرة”. وفي الآونة الأخيرة، تمكن فريق من الخبراء والمحترفين في القرصنة الإلكترونية، من أن يخترق عن بعد طائرة من طراز “بوينغ 757” باستخدام موجات الراديو.
ومن المنتظر أن تتزايد هذه المخاطر حال تشغيل طائرات ركاب دون طيار. ففي هذه الحالة، سيصبح دور البرمجيات في التحكم في الطائرة مطلقا لا يوجد له كوابح، ما يجعل خطر المشكلات والأعطال التقنية والبرمجية يتفاقم بشدة.
كل ذلك لا يعني بطبيعة الحال أنه لن يتم التأمين على الرحلات التي تقوم بها مثل هذه الطائرات، لكن ما تكلفة ذلك؟ وهل توجد شركة طيران واحدة مستعدة لتحمل هذه التكلفة أو حتى قادرة عليها؟
الرواتب
يحصل الطيارون على جانب كبير من أرباح الشركات التي يعملون فيها. فمتوسط الدخل السنوي للطيار – صاحب الخبرة التي لا تقل عن خمس سنوات – يبدأ من 147 ألف دولار. بل إن الرقم قد يصل إلى قرابة 300 ألف دولار، بالنسبة للطيارين المخضرمين.
وتعكس هذه المبالغ الكبيرة حقيقة تواجه هذه الصناعة الحريصة على ترشيد التكاليف، ألا وهي أن هناك نقصا في المعروض من الطيارين، وأن تعلم قيادة الطائرة أمر مكلف وشاق في الوقت نفسه. وتؤدي عوامل مثل هذه، إلى رفع رواتب الطيارين بشكل كبير، ما يجعل حجمها الإجمالي عاملا حاسما في تحديد التكاليف التي تتكبدها شركات الطيران في بند العمالة وحده، وهو ذاك البند الذي يشكل – جنبا إلى جنب مع تكاليف الوقود – أحد أكبر أوجه الإنفاق لتلك الشركات.
وبطبيعة الحال، من المفترض أن يتغير هذا الوضع مع دخول طائرات ركاب دون طيار الخدمة. ويُقدّر مصرف “يو بي إس” السويسري قيمة المصروفات التي يمكن توفيرها سنويا، إذا خلت قمرة القيادة من العنصر البشري بـ 35 مليار دولار على الأقل. ومن شأن رقم مثل هذا، تعزيز أرباح صناعة تعاني بشدة في أغلب الأحيان لتحقيق مكاسب.
ويتساءل البعض عن أسباب عدم اللجوء إلى الحلول التكنولوجية للاستعاضة عن البشر في مجال الطيران المدني بهدف توفير النفقات، في ضوء ما هو معروف عن مزايا السير على الدرب في مجالات أخرى مثل الدفاع والطاقة وغيرهما.
ويبدو أن هذه الفكرة تروق لشركات تصنيع الطائرات التي تحسب أن بإمكانها القيام بذلك. ففي عام 2017، رحب مدير تنفيذي في “بوينغ” بالفكرة، قائلا “اللبنات الرئيسية لهذه التقنية متوافرة بوضوح”. كما أعرب مسؤولون في “إيرباص” – الشركة المنافسة لـ “بوينغ” – عن آراء مماثلة في وقت سابق من العام الجاري، قائلين إن لدى شركتهم بالفعل “التقنيات الخاصة بالطيران الذاتي”.
لكن اللجوء إلى هذا النوع من الطيران لا يعني أن الطائرة ستقوم برحلتها دون تدخل بشري على الإطلاق. فرغم أن أجهزة الاستشعار والبرمجيات الإلكترونية قلصت وجود حاجة للدور البشري، فإن هذه الحاجة لم تنتفِ على الإطلاق، بعكس ما يُقال لنا.
ففي واقع الأمر، من العسير أن تجد صناعة واحدة، تتولى فيها البرمجيات أداء العمل كاملا دون دور أو إشراف بشري. ويعود السبب في ذلك، إلى أن تفعيل الأنظمة الأوتوماتيكية في التشغيل، ليس خيارا يكفل عدم ارتكاب أخطاء بشكل كامل، فالتقنيات تخطئ تماما مثل البشر. وقد يكون لأخطائها تَبِعات كارثية، بحسب القطاع التي تحدث فيه.
فلعلنا نتذكر مثلا “الطيار الآلي”، الذي بدأت الاستعانة به عام 1912، ويُطلق عليه باللهجة الدارجة اسم “جورج”، وهو عبارة عن مجموعة من الأنظمة الميكانيكية والهيدروليكية والكهربائية، التي تُستخدم لإرشاد الطائرة وتوجيهها، دون الحاجة لتدخل بشري. وقد أصبح هذا “الطيار الآلي” أحد العناصر الرئيسية لقمرة القيادة في الطائرات الحديثة. وعندما يتم تشغيله، يتسنى لخوارزمياته معالجة البيانات بشكل أكثر سرعة ودقة من الطيار البشري، ما يضفي قدرا أكبر من الأمان والسلاسة على الرحلة الجوية.
لكن أخطاء “الطيار الآلي” شكلت كذلك جزءا من العوامل التي أفضت لوقوع الكثير من الحوادث الجوية، وهو ما يجعل تشغيله مشروطا بأن يتم تحت العين الساهرة للطيار البشري. وتعلم الجهات المسؤولة عن تنظيم العمل في قطاع الطيران المدني، أنه لا يمكن الوثوق تماما في أن بمقدور “جورج” – رغم كل فضائله الافتراضية – اتخاذ القرارات السليمة في كل مرة وطوال الوقت. ومن الصعب أن تجد شركة واحدة لتصنيع الطائرات تتبنى رأيا مغايرا لذلك.
غير أن ذلك لا يغلق الباب أمام مساعي شركات تصنيع الطائرات لتقليص عدد أفراد طاقم قمرة القيادة. وتفيد تقديرات مصرف “يو بي إس” بأن جعل العدد في القمرة طيارا واحدا لا اثنين سيوفر قرابة 20 مليار دولار. وقال أحد محللي المصرف إن هذا الوضع ربما سيكون هو الاتجاه السائد بحلول العام المقبل.
لكن هذا الاقتراح ينطوي كذلك على مشكلات، إذ أنه يُبنى على افتراض، أن بوسع الطيار البشري الوحيد الموجود في القمرة، التدخل في الوقت المناسب في كل مرة يفشل فيه نظيره الآلي. وتتوخى شركات تصنيع الطائرات الحذر حيال مدى واقعية تصور مثل هذا، وهو ما يفسر السبب في أن الطائرات المُصممة لكي يدير قمرة قيادتها طيار واحد فحسب – وتُصنّعها شركات مثل “إيرباص” و”بوينغ” – تتضمن إفساح المجال لوجود إشراف عن بعد على الرحلة.
ويعتمد ذلك على فكرة بسيطة للغاية، قوامها ترك طيار واحد في القمرة مع وجود آخر على أهبة الاستعداد دائما لتوفير أي مساعدة إضافية له. لكن هذا الطيار الثاني لا يوجد بدوره في قمرة القيادة، بل يراقب حركة الطائرة من على الأرض. ومع أن هذه فكرة جيدة؛ فإنها تثير في الوقت نفسه سؤالا مهما مفاده؛ كم عدد الطائرات التي سيتعين على هذا الطيار الثاني مراقبة حركتها ووضع قمرة القيادة فيها؟
فإذا دفعت راتبا لهذا الشخص مقابل مراقبة طائرة واحدة فقط، سيعني ذلك أنك تبدد الـ 15 مليار دولار التي توفرها شركة الطيران بفعل استعانتها بطيار واحد في القمرة لا اثنين. وفي هذه الحالة، سيكون من الأفضل عليها الإبقاء على طياريْن في القمرة. لكن إذا كان من الممكن جعل الرجل يتابع أكثر من طائرة في الوقت نفسه، فستكون فكرة الاستعانة بطيار ثان موجود على الأرض، أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.
المعضلة أن ذلك سيجعل الأمر في الوقت نفسه محفوفا بالمخاطر بدرجة أكبر. فهل يُتوقع أن يكون بمقدور طيار واحد يعمل من على بعد، أن يساعد طائرة على شفا كارثة، وأن يراقب في الوقت نفسه حركة الكثير من الطائرات الأخرى؟ وما الذي سيحدث إذا كانت هناك أكثر من طائرة تحتاج للمساعدة منه في الوقت نفسه؟ وهل يمكن أن تضمن شركات الطيران والشركات التي تُصنّع الطائرات أن لا يؤدي ذلك الوضع – الذي يمثل اختبارا عسيرا لحدود قدرات البشر على التركيز – إلى تعريض سلامة الركاب للخطر؟
في نهاية المطاف يمكن القول إنه حتى يتسنى لهذه الشركات ضمان كل ذلك، من غير المرجح أن يُكتب لهذه الفكرة فرصة التطبيق على أرض الواقع.
أشلي نونيس
بي بي سي