2018 © - العرب برس.جميع الحقوق محفوظة.
مع استمرار المظاهرات اللبنانية لليوم الخامس على التوالي، تتوجّه أنظار المراقبين لمعرفة مسار هذا الحراك الذي سجّل مشاهد ستظلّ محفورة في التاريخ اللبنانيّ الحديث. يبدو أنّ المتظاهرين سيواصلون قطع الطرقات والتجمّع في العاصمة بيروت وعدد آخر من المدن البارزة، بعد إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري ورقته الإصلاحيّة واستمرار الحكومة. ليس سرّاً أنّ الأخيرة تحظى بتأييد دوليّ نظراً لوجود اعتبارات عدّة، من بينها، تأمين الاستقرار وتفادي المزيد من الفوضى في منطقةٍ آخر ما تحتاج إليه هو جولة أخرى من الاضطرابات السياسيّة والأمنيّة. من جهة ثانية، لا يزال المانحون في مؤتمر “سيدر” يعوّلون على الإصلاحات التي تعهّدتها الحكومة الحاليّة لتحويل القروض إلى لبنان.
خيارات ضيّقة
إذا صحّت الافتراضات العامّة بأنّ الغرب يميل لدعم الحكومة الحاليّة فقد يجد المحتجّون أنفسهم في مواجهة وقائع جديدة. توافقُ الوزراء على الاستمرار في العمل الوزاريّ بموازاة الانطلاق في خطّة إصلاحيّة تحظى على الأغلب بتأييد المجتمع الدوليّ. هذا السيناريو سيصعّب تحقيق الهدف الأوّل للحراك القاضي بإسقاط الحكومة. بناء على ذلك، تصبح الخيارات أمام المتظاهرين أضيق:
إمّا الخروج من الشارع لأنّ أفق سقوط الحكومة بات متقلّصاً وإعطاء الوزراء فرصة أخرى لتنفيذ الإصلاحات – وهذا غير مرجّح – وإمّا الاستمرار في الحركات الاحتجاجيّة مع المخاطرة بالمزيد من الضغوط على الوضعين الاقتصاديّ والماليّ، من دون إمكانيّة إسقاط الحكومة في المدى المنظور. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدّي الإصلاحات الاقتصاديّة إلى تهدئة جزء من المتظاهرين، وهو سببٌ آخر في تخفيف زخم الاحتجاجات مع مرور الوقت. فما هي الخيارات الحقيقيّة أمام المتظاهرين اللبنانيّين؟
مغزى الرسالة
ثمّة ديناميّة أخرى يجب الالتفات إليها في مقاربة الأجوبة على هذا السؤال. فالملفّ ليس مرتبطاً فقط بالنظرة إلى مدى الدعم الدوليّ للحكومة الحاليّة والبناء عليه لتأسيس المرحلة المقبلة. هذه الديناميّة، يعبّر عنها في تعليق لـ”النهار”، محرّر مدوّنة “ديوان” ومدير تحرير في “مركز كارنيغي للشرق الأوسط” مايكل يونغ.
“أعتقد أنّ الاحتجاجات هي رسالة مهمّة لا للحكومة اللبنانيّة وحسب بل أيضاً للمجتمع الدوليّ الذي دعم الإجراءات التقشفيّة إلى حدّ ما. من المهمّ ألّا تصل الرسالة من الشعب اللبنانيّ إلى الحكومة فقط بل أيضاً إلى المانحين الدوليّين كي يفهموا أنّ الإجراءات التقشّفيّة ستخنق الاقتصاد وحسب”.
انطلاقاً من هذه الرؤية، ينبغي على المجتمع الدولي أن يكون متلقّياً مهمّاً لصرخة الاحتجاجات من أجل تشديد المراقبة على كيفيّة إنفاق المليارات التي سيحوّلها إلى الحكومة اللبنانيّة والتركيز أيضاً على حيويّة الاستثمارات لتحفيز النموّ إلى جانب الإجراءات التقشّفيّة الأخرى. في سياق متّصل، يبدو أنّ ردّة الفعل الأوّليّة للمحتجّين اللبنانيّين على الورقة الإصلاحيّة وموازنة 2020 التي خرج بها رئيس الوزراء اللبنانيّ سلبيّة بشكل عام. انطلاقاً من ردّ الفعل هذا، من المرجّح أن يستمرّ الحراك في الأيّام والأسابيع المقبلة، مع نيّة لإسقاط هذه الحكومة. لكن ليس المتظاهرون وحدهم من شكّكوا في إمكانيّة الحكومة أن تطبّق الإصلاحات أو حتى في جدوى الإصلاحات نفسها.
“محاذير” إسقاط الحكومة
نقلت شبكة “بلومبيرغ” الأميركيّة منذ بعض الوقت، أنّ الرؤية الحكوميّة ستقابَل على الأرجح بتشكيك من قبل الاقتصاديّين، وليس أقلّه لأنّ عجز الموازنة في لبنان اقترب من 12% من الناتج الإجماليّ المحلّيّ لعام 2018. ومع اعترافها بأنّ الخطّة يبدو أنّها تعالج مطالب بالتغيير لم تتمّ الاستجابة لها طوال عقود منصرمة، بما فيها عدم إصلاح القطاع الكهربائيّ، لم تفعل الكثير كي تهدّئ غضب الشارع.
مع استمرار المظاهرات اللبنانية لليوم الخامس على التوالي، تتوجّه أنظار المراقبين لمعرفة مسار هذا الحراك الذي سجّل مشاهد ستظلّ محفورة في التاريخ اللبنانيّ الحديث. يبدو أنّ المتظاهرين سيواصلون قطع الطرقات والتجمّع في العاصمة بيروت وعدد آخر من المدن البارزة، بعد إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري ورقته الإصلاحيّة واستمرار الحكومة. ليس سرّاً أنّ الأخيرة تحظى بتأييد دوليّ نظراً لوجود اعتبارات عدّة، من بينها، تأمين الاستقرار وتفادي المزيد من الفوضى في منطقةٍ آخر ما تحتاج إليه هو جولة أخرى من الاضطرابات السياسيّة والأمنيّة. من جهة ثانية، لا يزال المانحون في مؤتمر “سيدر” يعوّلون على الإصلاحات التي تعهّدتها الحكومة الحاليّة لتحويل القروض إلى لبنان.
خيارات ضيّقة
إذا صحّت الافتراضات العامّة بأنّ الغرب يميل لدعم الحكومة الحاليّة فقد يجد المحتجّون أنفسهم في مواجهة وقائع جديدة. توافقُ الوزراء على الاستمرار في العمل الوزاريّ بموازاة الانطلاق في خطّة إصلاحيّة تحظى على الأغلب بتأييد المجتمع الدوليّ. هذا السيناريو سيصعّب تحقيق الهدف الأوّل للحراك القاضي بإسقاط الحكومة. بناء على ذلك، تصبح الخيارات أمام المتظاهرين أضيق:
إمّا الخروج من الشارع لأنّ أفق سقوط الحكومة بات متقلّصاً وإعطاء الوزراء فرصة أخرى لتنفيذ الإصلاحات – وهذا غير مرجّح – وإمّا الاستمرار في الحركات الاحتجاجيّة مع المخاطرة بالمزيد من الضغوط على الوضعين الاقتصاديّ والماليّ، من دون إمكانيّة إسقاط الحكومة في المدى المنظور. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدّي الإصلاحات الاقتصاديّة إلى تهدئة جزء من المتظاهرين، وهو سببٌ آخر في تخفيف زخم الاحتجاجات مع مرور الوقت. فما هي الخيارات الحقيقيّة أمام المتظاهرين اللبنانيّين؟
مغزى الرسالة
مواضيع ذات صلة
“سترات صفر” بنسخة لبنانيّة؟
أكبر حشدٍ عابر للطوائف …الشباب يسقط احتكار الأحزاب الطائفية للتعبئة
الفساد فجّر بيروت بعد بغداد…محاصصة وهدر يزيدان الفقر والبطالة
ثمّة ديناميّة أخرى يجب الالتفات إليها في مقاربة الأجوبة على هذا السؤال. فالملفّ ليس مرتبطاً فقط بالنظرة إلى مدى الدعم الدوليّ للحكومة الحاليّة والبناء عليه لتأسيس المرحلة المقبلة. هذه الديناميّة، يعبّر عنها في تعليق لـ”النهار”، محرّر مدوّنة “ديوان” ومدير تحرير في “مركز كارنيغي للشرق الأوسط” مايكل يونغ.
“أعتقد أنّ الاحتجاجات هي رسالة مهمّة لا للحكومة اللبنانيّة وحسب بل أيضاً للمجتمع الدوليّ الذي دعم الإجراءات التقشفيّة إلى حدّ ما. من المهمّ ألّا تصل الرسالة من الشعب اللبنانيّ إلى الحكومة فقط بل أيضاً إلى المانحين الدوليّين كي يفهموا أنّ الإجراءات التقشّفيّة ستخنق الاقتصاد وحسب”.
انطلاقاً من هذه الرؤية، ينبغي على المجتمع الدولي أن يكون متلقّياً مهمّاً لصرخة الاحتجاجات من أجل تشديد المراقبة على كيفيّة إنفاق المليارات التي سيحوّلها إلى الحكومة اللبنانيّة والتركيز أيضاً على حيويّة الاستثمارات لتحفيز النموّ إلى جانب الإجراءات التقشّفيّة الأخرى. في سياق متّصل، يبدو أنّ ردّة الفعل الأوّليّة للمحتجّين اللبنانيّين على الورقة الإصلاحيّة وموازنة 2020 التي خرج بها رئيس الوزراء اللبنانيّ سلبيّة بشكل عام. انطلاقاً من ردّ الفعل هذا، من المرجّح أن يستمرّ الحراك في الأيّام والأسابيع المقبلة، مع نيّة لإسقاط هذه الحكومة. لكن ليس المتظاهرون وحدهم من شكّكوا في إمكانيّة الحكومة أن تطبّق الإصلاحات أو حتى في جدوى الإصلاحات نفسها.
“محاذير” إسقاط الحكومة
نقلت شبكة “بلومبيرغ” الأميركيّة منذ بعض الوقت، أنّ الرؤية الحكوميّة ستقابَل على الأرجح بتشكيك من قبل الاقتصاديّين، وليس أقلّه لأنّ عجز الموازنة في لبنان اقترب من 12% من الناتج الإجماليّ المحلّيّ لعام 2018. ومع اعترافها بأنّ الخطّة يبدو أنّها تعالج مطالب بالتغيير لم تتمّ الاستجابة لها طوال عقود منصرمة، بما فيها عدم إصلاح القطاع الكهربائيّ، لم تفعل الكثير كي تهدّئ غضب الشارع.
على أيّ حال، يبقى أنّ تحقيق هدف إسقاط الحكومة قد لا يكون بالأمر اليسير بالنسبة إلى المتظاهرين، إضافة إلى أنّ الحكومة نفسها قد تستغلّ الفراغ السياسيّ على أكثر من مستوى في حال تمّ إجبارها على الاستقالة. وهذا ما أوضحه يونغ أيضاً:
“على الرغم من ذلك، أعتقد أنّه لو سقطت الحكومة اليوم فهذا سيخلق وضعاً مثاليّاً للطبقة السياسيّة لعدم التحرّك ولإلقاء اللوم في جميع المشاكل على الشعب. لهذا السبب، من المهمّ أن يتمّ إيصال الرسالة على امتداد المجتمع الدوليّ حول وجود حدود لسياسة تقشّفيّة واستخدام الضغط من المجتمع الدوليّ لفرض إصلاح حقيقيّ يتضمّن إجراء للنموّ الاقتصاديّ.”
ارتفاع العائد على سندات “الأوروبوند”
بحسب شبكة “بلومبيرغ”، لا يعمل الوقت في صالح لبنان حاليّاً. فهو واحد من أعلى البلاد مديونيّة حول العالم ويحتاج لإيجاد مصادر جديد للتمويل بما أنّ التدفّقات الماليّة الأجنبيّة التي اعتمد عليها تقليديّاً في السابق، جفّت حاليّاً. وما يؤكّد أنّ الخطّة الإصلاحيّة لم ترح الأسواق، هو نقل الشبكة نفسها أنّه حتى بعد خطاب الحريري، ارتفع العائد على سندات الأوروبوند اللبنانيّة المستحقّة سنة 2021 بأكثر من 300 نقطة يوم الاثنين إلى ما يقارب 24% وهو “رقم قياسيّ”.
وحتى على ضفّة الشارع، ثمّة ثغرة مهمّة في طبيعة الاحتجاجات ويمكن أن تؤثّر سلباً على مسارها في المرحلة المقبلة. في هذا الإطار، يعبّر يونغ عن “قلق” خاص من غياب تحديد الأهداف على طريق مواصلة التحرّكات الاحتجاجيّة:
“ما يقلقني هو أنّ هذا هو حراك تلقائيّ من دون أهداف واضحة باستثناء (التعبير عن) عدم الرضا عن الطبقة السياسيّة. هذا لا يكفي لإحداث تغيير حقيقيّ”.
جورج عيسى
المصدر: “النهار”