2018 © - العرب برس.جميع الحقوق محفوظة.
هل يمكننا أن نخدع الشيخوخة؟
يكثف العلماء حول العالم جهودهم للتغلب على آفة تؤرق البشر وهي الشيخوخة، وفي سبيل ذلك يسعون للاستعانة بحلول غير متوقعة.
انطلقت مينغ وانغ عالمة الأحياء الجزيئية صبيحة يوم مشمس إلى مختبرها بولاية تكساس دون أن تتوقع ما ينتظرها. فقد وجدت آلاف الديدان في عدة صناديق. وبينما ألقت النظر في صندوق تلو الآخر، راودتها فكرة، مفادها أن ما رأته يمكن أن يكون الحل لداء البشرية العضال، وهو الشيخوخة.
كل يوم، تفتك الأمراض المصاحبة للكبر، مثل السرطان والروماتيزم وألزهايمر، بمئة ألف إنسان حول العالم، ولكن عددا متناميا من العلماء بات يرى مخرجا من تلك الأزمة.
واستطلعت بي بي سي آراء بعض أبرز باحثي العالم عن طبيعة الشيخوخة، وعن الجديد علميا في “علاج” الكبر بالاستعانة بكائنات دقيقة و”طباعة” مجسمات لأعضاء بشرية بديلة.
أسنان صحيحة
ما هي الشيخوخة؟ لو أمكننا التدقيق في جزيئات الخلايا لرأينا تراكما من التلف يلحق بها وبالأنسجة والأعضاء التي تشكلها حتى ينتهي الأمر بوهن الكائن الحي جراء هذا التراكم التلفي، وهو ما يشرحه الطبيب الدنماركي كارى كريستنسن بقوله “الشيخوخة تبدأ حين لا يستطيع الجسم تعويض الجزء التالف بتجديد خلاياه وأنسجته”
أمضى كريستنسن سنوات طويلة في العمل كطبيب حتى سأم مداواة المرضى، وهو الآن يدير المركز الدنماركي لأبحاث الشيخوخة، حيث يسعى لدرء المرض عن البشر في المقام الأول.
يشير كريستنسن إلى ما أحرزته البشرية من تقدم، ففي منتصف القرن التاسع عشر كان متوسط العمر يناهز الأربعين بأغلب بقاع العالم، بينما الآن تُقارب الأعمار ببعض بلدان شمال أوروبا الثمانين وباقي العالم في سبيله للحاق بها.
ويرجع ذلك غالبا إلى قلة وفيات الأطفال لا لطول العمر، ومع ذلك طرأ تغير آخر واعد لا ينبغي إغفاله، إذ يقول كريستنسن إن صحة المسنين الآن أفضل مما سبق مدللا على ذلك بالأسنان التي أصبحت صحيحة أكثر لدى كبار السن وصحتها في تزايد مع مرور العقود.
ويشير الطبيب إلى أن الأسنان تعد مقياسا للصحة العامة، إذ تساعد الأسنان السليمة على تناول الطعام الذي يغذي الجسم، كذلك قد تؤشر صحتها على صحة أعضاء الجسم الأخرى.
ولا يقتصر الأمر على الأسنان، إذ يقول كريستنسن إن الكبار يحرزون نتائج أفضل في اختبارات الذكاء، ويربط بين ذلك وتحسن ظروف المعيشة حول العالم “فالظروف المعيشية الأفضل تقترن بتعليم أفضل وعمل أفضل أيضا”. وهو يعتقد أن هذا التقدم سيستمر ولكن لأي أجل؟
وتعد الفرنسية جان-لويز كالمون صاحبة أطول عمر يسجَل في العالم، إذ بلغت 122 عاما وقد وافتها المنية عام 1997، أي قبل أكثر من عقدين طرأ خلالهما الكثير.
طباعة الأعضاء
يعد عالم الفيزياء الحيوية توهين بوميك سليل أسرة من المشتغلين بالطب في بنغالور بالهند، وكثيرا ما دارت أحاديث المائدة عن مرضى لم يتمكن أبوه أو أعمامه من إنقاذ حياتهم، وكلما سأل عن سبب الوفاة جاء الرد أن جعبة الطب قد خلت ولم يعد بالإمكان تقديم المزيد، وهو ما جعله يعرض عن فكرة أن يصبح طبيبا ويتحول بدلا من ذلك إلى عالِم يبتكر الجديد من الطب.
ويقول إن الوفاة بسبب الشيخوخة تأتي مقترنة بخلل في وظائف الأعضاء الحيوية كالقلب والرئتين والكبد، ولو أمكن زراعة عضو سليم من متبرع لكانت فرصة أخرى للمريض ولكن إيجاد متبرع ليس بالأمر السهل، فهناك من المحتاجين أكثر من المتبرعين.
وتطول القوائم أمام كبار السن في شتى أنحاء العالم بانتظار زراعة كلى أو قلوب لهم، ناهيك عن صعوبة توافق الأنسجة؛ حتى أن المريض قد يأتيه الموت قبل تلقي العضو لزراعته.
وبدلا من انتظار الدور، فكر بوميك في “تخليق” أعضاء جديدة، باحثا عن إمكانية طباعة عضو سليم يقبله جسم المريض.
ويقول “لنَقُل إنك بحاجة إلى كبد وقد حددت الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي حجم وشكل كبدك وبالتالي العضو الذي يضاهيه، ونقلت الصورة إلى الكمبيوتر”، بالتالي يمكن طباعة مجسم لكبد صناعي بنفس المواصفات.
لكن بدلا من استخدام حبر للطباعة، يتم الاستعانة ببروتينات وخلايا، لكن ليست أي خلايا، بل خلايا المريض نفسه، وبالتالي لا يرفض الجسم العضو الجديد.
لقد تمكن بوميك وفريقه من إنتاج أول نسيج كبد بشري في الهند، والخطوة التالية ستكون تشكيله ككبد صغير معمليا وهي الخطوة التي يتوقع أن تستغرق خمس سنوات للوصول إليها؛ بعدها يكون هناك عضو صغير قابل للنقل من مكان لآخر.
وخلال ما يتراوح بين 8 و10 سنوات، يتوقع أن يبلغ مراده من كبد كامل سليم قابل للزرع في جسم بشري.
لكن لو أن شخصا قد أصيب بفشل الأعضاء، ألا يعني هذا أنه قد آن أوان موته طبيعيا؟ ماذا لو توقف القلب وتوقفت الرئتان أيضا عن العمل؟ يقول بوميك إن كل حالة تختلف عن الأخرى.
ويستطرد قائلا “لو استبدلنا عضوا كان أصل الداء فقد يمنح ذلك المريض عشرين سنة إضافية، فربما أصيب المريض بالفشل الكبدي بينما لم يكن حال قلبه أو المخ كذلك”.
ويتكهن بوميك بأن تلك الابتكارات لو نجحت فقد يمتد العمر بمواليد الألفية ومن دونهم – أي مواليد 1981 وما بعدها – حتى 135 سنة.
خذوا الحكمة من الديدان!
توفيت جدة مينغ وانغ عن عمر يناهز 100 سنة، وكانت بصحة جيدة وبنشاط حتى ماتت، وهو ما جعل وانغ تفكر في السر وراء التمتع بشيخوخة جيدة.
ومن خلال عملها كأستاذة للمورثات البشرية والجزيئات بكلية بايلور الأمريكية للطب، تباشر تجارب تتعلق بأحد المجالات الأهم في عالم الطب اليوم، وذلك بدارستها للبيئة الحيوية الدقيقة داخل الجسم.
وتقول “المقصود بتلك البيئة هو مجموعة الكائنات الدقيقة التي تعيش داخلنا ومعنا، سواء بالجهاز الهضمي أو على سطح البشرة، وتنتشر بشكل واسع”، وهي مجهرية لا ترى بالعين المجردة وأغلبها من البكتيريا، وإن وجدت بينها فطريات وفيروسات وكائنات دقيقة أخرى. وفي الماضي لم يعرها العلماء التفاتا، أما الآن فقد اتضح أن لها تأثيرا كبيرا على صحتنا.
وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن أهمية تلك الكائنات الدقيقة بالنسبة لنا تكمن في أنه يمكن اعتبارها أعضاء إضافية، إذ تؤثر على سلوك الإنسان وعلى مدى تجاوب جسمه مع الأدوية.
تقول وانغ “أحيانا نصاب بالمرض بسبب تلك الكائنات التي تكون أحيانا السبب في تمتعنا بصحة جيدة”.
وفي بحثها عن التأثير المحتمل لتلك الكائنات على الشيخوخة، استعانت بنوع من الديدان يعيش لأسبوعين أو ثلاثة فقط، وهو ما يمكِّن إجراء تجارب على دورة حياة كاملة بشيخوختها في أمد بسيط. وقد أرادت أن تعرف كيف سيؤثر تغيير البيئة الدقيقة لتلك الديدان عليها، وهل يمكن أن تعيش أمدا أطول.
استخلصت وانغ نوعا من البكتيريا يعيش داخل الجهاز الهضمي للديدان وعدلته وراثيا بأشكال مختلفة وأضافته لطعام الديدان التي قسَّمتها لمجموعات منفصلة، وبعد ثلاثة أسابيع هو أمد حياة تلك الديدان، راجعت المجموعات، وأدهشها أن رأت بعض الديدان ما زال حيا رغم أن أمد حياتها المعتاد يفترض أن يكون قد انقضى.
وعادة ما تصاب الديدان الأكبر بالوهن وتقل حركتها ولكن الديدان ذات البيئة الدقيقة المستجدة ظلت بنشاطها وكانت أقل عرضة للمرض.
ومن ثم طورت وانغ تجاربها بإجرائها على الفئران لترى إن كان الأمر نفسه سيتكرر.
فهل يأتي اليوم الذي يصف فيه الأطباء دواء للمرضى ليأتي بنفس النتيجة كما في الديدان، فتطول أعمارنا ويستمر نشاطنا في الكبر؟
تقول وانغ “بعض زملائي يقولون إن العمر قد يمتد إلى 200 عام أو 300 عام، أما أنا فيكفيني مئة فقط”.
مدة الصلاحية
وحين يشيخ الإنسان تشيخ خلاياه أيضا التي تنقسم لتعويض الخلايا الميتة والمستهلكة ولكن الخلايا الجديدة تولد على غير ما يرام، فكلما انقسمت الخلايا زادت فرص إصابتها بالكِبر، فتلك الخلايا قد أصابها العَجَز، وبدلا من أن تموت استمرت ولكنها أصبحت تتصرف على نحو مدمر بتواصلها مع غيرها من الخلايا بشكل يؤدي لكثير من الخلل.
وتقول لورنا هاريز أستاذة المورثات الجزيئية بجامعة إكستر بإنجلترا “وكأن لسان حال الخلية يقول: أنا خلية عجوز وأنتم أيضا أيها الخلايا نشأتم معي في نفس الفترة فلابد أن العجز أصابكم أيضا”.
كأن تلك الخلايا العجوز “تلوث” الخلايا الأخرى بالكِبَر، وكلما كبرنا زاد عدد الخلايا المسنة تلك حتى لا يصبح الجسد قادرا على التعامل معها.
وربما وجدت هاريز في مختبرها وسيلة للتعامل مع تلك الخلايا المدمرة؛ فقبل فترة اقترحت على أحد زملائها الجدد إضافة مواد كيميائية على خلايا قديمة للبشرة لترى ما سيحدث. ولقياس عمر خلايا البشرة أثناء التجربة استعان الباحثون بصبغة تلون الخلايا المسنة باللون الأزرق.
تضيف هاريز “توقعت أن تظل الخلايا على زرقتها لكونها خلايا مسنة، ولكن حدث غير ذلك إذ عادت الخلايا لتبدو شابة”. ولم تصدق النتيجة فطلبت إعادة التجربة التي أكدت مرة تلو الأخرى النتيجة نفسها. وبعد تسع مرات، بدأت تدرك أن شيئا جديدا قد طرأ.
لقد استعادت الخلايا القديمة شبابها، وأصبحت تجربة هاريز هي الأولى التي تشهد تجديد خلايا بشرية قديمة، حتى أن البعض استبشر بها سبيلا لعمر مديد. وأخذت الباحثة في تلقي مكالمات من مستثمرين وجهات علمية ببلدان مختلفة.
لكن هاريز لا تعتقد أن البشر سيمتد بهم العمر إلى الأبد، بل ترى أن للبشر آجالهم. ومع ذلك تأمل أن يخلص بحثها لجيل جديد من الدواء المضاد لأعراض مصاحبة للشيخوخة مثل الخرف وأمراض القلب والأوعية الدموية.
وتقول “آمل أن نصل إلى علاج لعدة مشاكل في آن واحد بما يطيل عمر المريض فلا يموت أحد قبل أوانه”.
لكن مرة أخرى، ما هو هذا الأوان؟ ربما يوما ما سنقدر على استبدال التالف من أعضائنا، ونتناول دواء يجدد بيئة كائناتنا الدقيقة ويمنحنا الشباب بكف شيخوخة خلايانا. لكن كم من السنوات تمتد بنا الحياة؟
لو صدق تصور توهين بوميك، فوليد الألفية قد يعيش حتى يبلغ الخامسة والثلاثين بعد المئة. ولو امتد به العمر حتى عام 2116 فمن يدري ما سيتحقق حينها، وما سيتاح لمن خرج إلى الحياة عام 1981؟