“ما تدقّوا بزياد”: بين النقد الثقافي والمهزلة الفكرية

438

هناك منازع في الثقافة اللبنانية لا يحق لأي كان أن يلجها وخصوصاً عندما يعمد البعض إلى تشويه صورة رموزنا ومحق تاريخ ثقافتنا وتلويث فنون لبنان الخالدة. فكيف إذا كان الأمر يتعلّق بفيروز والأخوين رحباني وزياد الرحباني.

في العام 2015 جرؤ البعض على التعرّض لكرامة رمز لبناني كبير هو السيدة فيروز متهجماً بأسلوب غير لائق. ثم عندما أخذ زياد الرحباني يطل على الإعلام ويقدّم الحفلات الجديدة ويحكي عن مشاريعه هذا العام، تصدّت له أقلام مارقة تحاول اغتيال شخصيته. هذا الأسلوب القمعي غريب على لبنان، أن تكون حملة لتحطيم أيقوناته الثقافية لأنّها تحمل رأياً مخالفاً للطبقة الحاكمة ولا تريد أن تسير في موكب حيتان المال. عندما نتذكر الظروف المادية التي عاشها وديع الصافي وصباح وزكي ناصيف وصلاح تيزاني وغيرهم وإهمال الدولة والمجتمع لهم وتركهم فريسة الفقر والعوز، علينا أن نتفهم مرارة زياد الرحباني وانتقاده الصارم للدَّرك المخيف الذي وصلته هذه البلاد.

عندما اجتاحت الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت البلاد الألمانية واحتلتها عام 1806، طلب نابليون بتواضع موعداً لزيارة الأديب والمفكر الألماني الكبير غوته في مدينة إيرفورت. وعندما دخل منزل غوته والتقاه صاح نابليون بشغف: أنت الإنسان c’est un homme إشارة إلى إعجابه الفائق بهذا العبقري الألماني. ثم أمضيا ساعات في الحديث الثقافي. وفي عام 1970، أخذ الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر ينشر سلسلة مقالات تهاجم الرئيس شارل ديغول وتنتقد بطش السلطات الفرنسية في صحيفة ليبيراسيون Libération التي منعتها السلطات الفرنسية من الصدور ليساريتها المتطرفة. وعندما سجنت الشرطة رئيس تحريرها وأوقفتها، كان سارتر ينزل إلى الشارع مع رفيقته سيمون دو بوفوار وعدد من المثقفين الفرنسيين مثل فرنسوا تروفو وجان لوك غودار، لبيع الجريدة مباشرة للمارة. إلا أنّ أحداً من الشرطة لم يجرؤ على منع سارتر، ففاتح وزير الداخلية الرئيس ديغول برغبته في اعتقال سارتر، ولكن ديغول نهره، “وهل نضع فولتير في السجن”؟ وشرح ديغول: “سارتر يؤدي دوره وعظمة أي حاكم لا تقاس الا بنوع المعارضة التي تواجهه. سارتر سبّب لنا الكثير من الصداع لكن ليس هناك ما هو اكثر ضرورة من ان تبقى حرية الفكر والتعبير للمثقفين مصونة في فرنسا”.

 

كمال ديب – النهار اللبنانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تستخدم جريدة العرب برس «AL ARAB PRESS» ملفات «تعريف الرابط» أو «Cookies»، التي تساعد في تحسين وظائف الموقع وتعزز تجربة التصفح بشكل عام، بما يتيح للمستخدم التنقل بين الصفحات بفعالية وسهولة. موافق معلومات إضافية